بعدما تأثّرَ الشعراء العرب بالمدرسة الرومانسیة، راحوا ینتهجون هذا المنهج الرومانسی؛ فأقبلوا علی الطبیعة و تعلّقوا بها و رَکنُوا إلى أحضانها و استشعروا حنانها و سبّحوا بجمالها و روعتها و ناجوها کأمّ حانیة یلتمسون العزاء لدیها ،کما اتّخذوها و مظاهرها –شأن الرومانسیین-ملاذاً للسعادة الانسانیة و مغنىً للطمأنینة و راحةً من متاعب الحیاة. و من مظاهر هذه الطبیعة و الذی یتکرّرُ کثیراً على لسانهم و تُردّده أشعارهم، الغاب و هو ما نراه فی أشعار بعضهم یُصبح أحیاناً ذریعةً لتحطیم الثنائیّة و الانطلاق إلى المطلق اللامحدود و احیاناً أخرى رمزاً للرجوع إلى بساطة الحیاة البدائیة قبل أن تعبث بها یدُ الترکیب و التشویه و التعقید .و قد یکون رمزاً إلى مکانٍ مقدسٍ للتعری من الحجب الکاذبة و التحررّ من کل القیود الإنسانیة أو موطنٍ للحبّ الطاهر. و من ثَمّ أنهم توصّلوا إلى جعلِ الغاب مقیاساً للکمال الانسانی و طلبوا إلى الإنسان أن یکون مثلَه إذا أراد الفکاک من القیود المصطنعة للمجتمع الذی تمنع الانطلاقَ فیه العاداتُ و التقالید و إذا أراد أن یکون انساناً صحیحاً بمشاعره ، کاملاً فی اخلاقه. و هکذا نجدُ عندهم من وراء الحدیث عن الغاب، نوعاً من السعی إلى الخلود عن طریق الفلسفة الروحانیة المعتمدة على البساطة و العیش فی الغاب و الاتخاذ بنغمات الکون الأزلیة.

کلمات کلیدی